المعادل الموضوعي في شعرنا العربي بين الإبداع والتقليد

نوع المستند : بحوث علمية محکمة

المؤلف

کلية التربية النوعية - جامعة المنوفية

المستخلص

لقد وظف العديد من شعراء العربية على مر العصور المعادل الموضوعي في أشعارهم للتعبير عن قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية لا يستطيع الشاعر التصريح بها إلا من خلال أقنعة الرمز والمعادل الموضوعي.
وقد استخدم المعادل الموضوعي للهروب من سيطرة أحاسيس الشاعر على النص أو قناعا للتستر على الشخصية الحقيقية للمبدع ، وهو أيضا مصطلح نقدي يشير إلى الرمزية المستخدمة للتعبير عن مفاهيم مجردة کالعواطف .
فالشعر لا يعبر عن الفکرة فحسب بل يعبر عن معادلها العاطفي والصورة الفنية التي نحصل عليها وفق معيار المعادل الموضوعي هي التفاعل بين الحس والفکر، فهي تلک التي تعرض ترکيبا ناشئا من فکر وعاطفة في لحظة زمنية، ومن الواضح أن نظرية المعادل تعلمنا تشخيص العواطف بربطها بموضوعاتها فيبدو أن هناک نوعا من العلاقة السببية بين العاطفة والموضوع .
يقول فرانک ليفر:  في القصيدة يوجد معناها لا في بطن الشاعر، ولا في ذهن الناقد ، والقيمة الشعرية لا تکمن فيما تقوله القصيدة وإنما فيما تکونه، ويکون ذلک باختيار بطل بديلا عن شخصية الأديب، يتصرف وفق ما يقتضيه الموقف، دون أن يفطن الجمهور إلى أن هذه الشخصية هي الظل لشخصية المؤلف الحقيقي، وبذلک فلابد للنص الشعري أن يحدث تأثيرا في الجمهور، وأن يهز المشاعر ويذکيها ويلامس الوجدان، ويداعبه، وأن يقع ذلک التأثير موقع البلسم من الجرح وموقع النوتة من الإيقاع ، فإن الکاتب المبدع قد کان ناجحا في إيجاد المعادل الموضوعي الأمثل والأنجع للتعبير عن تلک المشاعر ، فإذا فشل في إيجاد هذا المعادل وتوظيفه توظيفا فنيا رائعا إما أن تحدث القطيعة النهائية بين النص والمتلقي ويستغلق على الجمهور الانفعال والتجاوب والتأثير والدهشة ، وأما أن  يحدث شرحا جزئيا يؤدي إلى الانفعال الخاطئ فتنتج مشاعر النفور بدلا من المشارکة الوجدانية، وأحاسيس الغضب بدلا من الطمأنينة ، وفي الحالتين يفشل العمل الإبداعي فشلا ذريعا من الناحية الفنية والجمالية .
ويقول رشاد رشدي : فالبلاغة تتمثل کما يقول إليوت في أن يخلق الکاتب شيئا يجسم الإحساس، ويعادله معادلة کاملة، فلا يزيد أو ينقص منه حتى إذا ما اکتمل خلق هذا الشيء  استطاع أن يثير في القارئ الإحساس الذي يهدف إلى إثارته ([1]).
ويقول أيضا : إن الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الوجدان في الفن هي بإيجاد معادل موضوعي أو بخلق جسم محدد أو موقف أو سلسلة من الأحداث، تعادل الوجدان المعين الذي يراد التعبير عنه، حتى إذا ما اکتملت الحقائق الخارجية التي لابد أن تنتمي إلى خبرة حسية تحقق الوجدان المطلوب إثارته ([2]) .
ويري ت.اس إليوت أن الطريقة الوحيدة للتعبير عن العاطفة إنما تکون بالعثور على معادل موضوعي يکون هو الطريق الذي يحمل عاطفة الشاعر وأحاسيسه وينقلها إلى المتلقي للتأثير فيه.
      وحتى يتمکن الشاعر من استبعاد المؤثرات الذاتية الخاصة التي صبغت الاتجاه الرومانسي ويتخلص من التدخل المباشر للشاعر کشخصية في مسار قصيدته التي يبتغي من ورائها تحقيق المعني الإنساني الشامل ، وهکذا فإن هندسة القصيدة ، وبناء ذلک المسار الشعري على خلفية المعادل الموضوعي يحقق للشاعر إمکانية التخفي والهروب من طغيان عواطفه وأحاسيسه على القصيدة .
أما في أدبنا العربي فإن المعادل الموضوعي موجود على مر العصور من الجاهلية حتى العصر الحديث وقد استخدمه الشعراء في التعبير عن مشاعرهم وتجاربهم الذاتية التي يريدون إخفاءها وعدم الظهور بشخوصهم أمام الجمهور خشية المساءلة أو العقاب أو عدم القدرة على التعبير المباشر الصريح عن معاناتهم ومشکلاتهم إلا من خلال معادل موضوعي يصور مشاعرهم وآلامهم  , وسوف نقف على شواهده من خلال عصور الأدب المختلفة .
فالبلاغة وأساليبها وما تزخر به من صور شعرية ورموز ومجاز ليست سوي قنوات يتم من خلالها التوصل إلى معادلات موضوعية للعواطف والأحاسيس ، ثم التعبير من خلالها بوسائل ومواقف وحالات تؤکد اللامباشرة  واللا شخصانية ، وأي انحراف عن هذه الطريقة يؤدي إلى السقوط في بحيرة المباشرة الآسنة، لأن التعبير المباشر عن المشاعر يدل على فشل الکاتب في الخلق فشلا يرجع أسبابه إلى عدم وجود المعادل الموضوعي الذي يقوم مقام الإحساس، فعلي الکاتب أن يصور الإحساس أو الفکرة بدلا من الإخبار بها .



 

الموضوعات الرئيسية